الثلاثاء، ١ يناير ٢٠٠٨

نفس الوجه ونفس الملامح


أعرفه ..أعرف هذا الوجه .. رأيته منذ عشرة أعوام على ما أعتقد وربما اكثر ..أراه في كل مكان ، في القاهرة .. في الزقازيق .. في المنصورة .. في العتبة .. في المهندسين .. هو نفس الوجه اتأمله في كل مكان أعرفه جيدا هو نفس الشخص في الأتوبيس يطلب منك ثمن التذكرة على وجهه ابتسامة ودودة تود أن تحتضنه وتجلسه في مكانه على كرسيه وتطلب من الناس أن يتولوا جمع أثمان تذاكرهم سويا ليرتاح ويزيح عن كاهله تعب نصف قرن مضى .. هو نفس الوجه ببدلته البنية الفاتحة ينحني أمامك ليقدم لك كوبا دافئا من الشاي في مقهى شعبي يختفي وراء مئات البيوت وبنفس الإبتسامة الودودة يقدم لك الشاي وتود لو تلقاه منذ حمل صينيته وتحضر الشاي لنفسك بدلا من أن تراه منحنيا أمامك تسمع صرير مفاصله عند انحنائه وقد أخذ منها الزمان ليعطي لآخرين يبدأون مشوارهم مع الحياة .. نفس الوجه تراه خلف مقود التاكسي تشير له ليقلك معه إلى أي مكان تريده فيتوقف على مقربة منك وبابتسامته الودودة يجيبك بلطف :"اتفضل يابني " تركب بجواره تتأمل ملامحه وقد علا جبينه همٌ يكفي ليبدل زرقة السماء سوادا ولتتشح البحار حزنا لكن البسمة لا تفارق شفاهه .. تود أن يطول الطريق لكي تظل معه تؤنس وحدته مع هذه الآلة تغير بعضا من الملل الذي يشعر به بعدما حفظ كل البيوت وعرف كل الشوارع الضيقة وأصبح المكان بالنسبة له مجرد " لقمة عيش" تخرج ضعف ما يطلبه منك أملا في أن ترضيه فيعود إلى أبنائه ليكمل يومه .. لكن هيهات فالطريق لا يزال طويلا وأطول منه مشوار ملئ بالعقبات.
هو نفس الوجه بملامحه الدقيقة تعلوه نفس الإبتسامة غير المصطنعة ونفس الملامح التي حفرها الزمان خطوطا دقيقة في وجهه يحمل كل خط منها ذكرى حزينة أو ليلة كئيبة نام فيها دون عشاء هو وأولاده .. ترى وجهه وقد امتلأ بالتجاعيد التي لو ضممتها الى بعضها لصنعت نهرا من الأحزان ورغم هذا كله لا تزال نفس الإبتسامة الودودة تزين شفتيه تظهر خلفها على استحياء اسنان تآكلت بفعل الزمن والسجائر أيام الصبا قبل أن يتركها لاخوفا من الموت فهو آت لكن لأن ابنائه يحتاجون كل قرش قد ينفقه على الدخان فاختار ابنائه ورمى مزاجه تحت قدميه بعزيمة المنكسر والمغلوب على أمره.
نفس الملامح لنفس الوجه تراها كل يوم بشعره الأبيض على جانبي رأسه الى أن يقل هذا البياض تدريجيا كلما ارتفعت بعينيك إلى الأعلى لترى كل شعره وقد انسابت من بين خصلاته السوداء بضع شعرات بيضاء تصنع تباينا وقورا يشعرك بالفخر أنك تراه وتتعامل معه فهو نفس الرجل الذي قدم لك الشاي وهو الرجل الذي اختلط عرقه بتراب أرضه وهو ممسك بفأسه وقد التف جلبابه حول خصره فوق ركبتيه اللتين سترهما ببنطال بني من الصوف .
هو ذاته الرجل المصري الودود الذي التقيته عند باب منزلك وهو يحمل بين يديه سلعة ما قد تساعده على هذه الحياة فتعرض عنه حتى قبل أن يقول لك مبتغاه . هو المصري بهمومه وأهاته وأحزانه ولاتزال نفس الإبتسامة تعلو وجهه.. ولازلت مصرا على احتضانه مهما طال الزمن.