الجمعة، ١٥ فبراير ٢٠٠٨

الإستسلام

اصعب اللحظات عندما تشعر باليأس
سنوات تمر وأنت تمشي مختالا ، توزع البهجة على المارة ترتفع أكتافك فخرا وزهوا بصحة أنعم الله بها عليك ، ثم ينتفخ صدرك للأمام بما ملأته من هواء بارد في ليلة من ليال آخر يناير الباردة ، تحيط الزمن بذراعيك وكأنك تملكه وتسيطر عليه ، تتناسى عن عمد أو لسذاجة فطرية تلك اللحظة التي سينتهي عندها كل شئ ، وقتها فقط ستتبدل الأمور وتختلف الصورة تماما دون أن تدرك أن الوقت قد حان وأن الزمن قد بدأ ينهش في منطقة لاوعيك وأنت لازلت تكابر وترفض تصديق أن لحظة اللاعودة اقتربت.
وبين صراعك للبقاء واستسلام اللاوعي للموت تحدث التحولات عندما تتهدل أكتافك بعد أن كانت جبالا تحمل عليها ويلات سنين مضت من عمرك ، كتفاك استسلما للواقع وأنت لازلت تدافع عن حقك في الخلود وعدم الرحيل ، وجهك يشحب تدريجيا وتختفي منه نضرة الحياة وتصبح أقرب بمن انقطعت شرايين الدماء عن رؤوسهم فباتوا في صُفرة مهيبة يقشعر لها بدن كل من اطلع عليها ، ثم يغلق الجفنان على نصف بياض العين ليتركا بصيصا من الضوء الخافت يسمح بتفسير ملامح الوجوه المحيطة بحسرتها ودموعها التي تختفي خوفا من تسرب اليأس لباقي الجسد الذي يعافر من أجل البقاء وهم لا يعلمون أن الوقت قد انقضى وأن دموعهم لن تشفع لك عند لاوعيك الذي ركع للموت.
أطرافك تبدأ في التحجر والتشكل بصور أشبه بتماثيل متحجرة تريد لو أمسكت فأسا وانهلت عليها تحطيما لكيلا تذكرك بالنهاية الحتمية .
حتى شعر راسك سيكون قد استسلم مع اللاوعي للموت فيرفض أي محاولات لتعديله يمينا أو يسارا ويأبى إلا أن يبقى في مكانه للأمام ليوحي بخنوع وخضوع غريب لما سيحدث وكأنه يستجيب مقدما لتلك العملية القاسية المؤلمة فيسير في اتجاهها لكيلا يعاني مع صاحبه أثناء الوداع الأخير .استسلم اللاوعي للموت وأصبحت الثواني المتبقية كنزا ثمينا لا يقدر بمال فكل منها تحمل علامة استسلام وتسليم لما هو آت حتى وإن كنت قادرا على إنكار ذلك..