السبت، ٢٩ مارس ٢٠٠٨

فتاة برائحة القرنفل

قرنفلة
قصة لـ " محمد الشواف "
ككل بيوت الطبقة المتوسطة في المدينة كان بيت " نغم" السيدة العجوز ذات الخمسين خريفا ارملة الحاج ممدوح يحتوي على مزهرية بها بضع زهرات قرنفل بلونها الأرجواني الزاهي ، كانت نغم تعيش وحيدة في منزل هادئ بعد أن رحل عنها ممدوح منذ 7 سنوات وثمانية شهور و17 يوما _ هكذا كانت تقول لكل من يذكر اسم زوجها أمامها _ ، تتذكر حتى الآن لحظة وفاته وتركها وحيدة بلا رفيق ، فقد حرما من الانجاب ولأ سباب غير مفهومة رفضا البحث عن السبب أو اكتشاف صاحب المشكلة .
نغم بملامحها الهادئة ووجهها الأبيض المستدير الذي لا يشوبه سوى نمش خفيف أسفل عينيها العسليتين يضفيان عليه جمالا ربانيا خافت أن تتزوج بعد فقيدها فتنجب ويكتشف الجميع أن العيب كان فيه ، ففي كل مرة يتقدم فيها أحد رجال المدينة الممتدة لطلب يدها والفوز بقلب اجمل أرملة عرفها المكان كانت نغم ترفض كل هذه المحاولات اتحافظ على اخلاصها السرمدي لحبيبها . فاختارت الوحدة ومصاحبة القرنفلات اليانعات ، فقد كانت رغم مشيتها المتثاقلة وخطواتها الرزينة تولي رعاية خاصة بهذه المزهرية ، لكن العجيب أن مزهرية نغم كانت تختلف عن كل مزهريات المدينة والقرنفل بداخلها يثير الدهشة فمنذ وفاة رجل البيت والزهرات تحافظ على جمالها ونضارتها ورغم الزمن الطويل لم تذبل أيا منها أو تفقد رحيقها دون اسباب مفهومة أو منطقية ، واحتار كل من في المدينة في تفسير هذه الظاهرة ، فكيف تحافظ هذه الزهور الجميلة على خضرة عودها رغم مرور هذا الوقت على وجودها داخل المزهرية بلونها الأزرق الداكن يتوسطه قلب أبيض حفر بداخله اسما نغم وممدوح ، لم تلتفت صاحبة المزهرية لكل ما يقال عن قرنفلاتها أن فيها قوة سحرية تجعلها تستبقي جمالها طوال هذه السنين وكان همها أن ترى بعينيها زهراتها وهي تتكاثر وكأنها مزروعة في أرض خصبة لتمتلئ مزهريتها بقرنفلات كثيرة تفوح منها رائحة تمتد إلى أطراف المدينة فتعطر هوائها .
ذات صباح أفاقت نغم على نقر العصافير لزجاج غرفتها نقرات كانت كفيلة بإضفاء بهجة على وجهها فقد كانت تتفائل بالاستيقاظ على هذه النقرات لتزيح الستارة قليلا فيتسلل ضوء الشمس إلى ملاءتها المرتبة وينعكس ضوءها في المرآة ليضئ جميع غرف المنزل بتوزيع نوراني غريب لم تستطع السيدة الجميلة فهمه حتى هذه اللحظة ، لكن الضوء هذه المرة كان أكثر ابهارا وروعة مما جعلها تخلع عنها ملابسها السوداء وترتدي زيا زهريا كان الأقرب إلى قلبها .. وقتها تذكرت القرنفلات فاتخذت القرار بأن تذهب لترى القرنفلة الجديدة التي نمت فجر اليوم كباقي القرنفلات وكما اعتادت أن تفعل .. لكن لوهلة لم تصدق عينيها فالمزهرية وضعت فتاة بلون القرنفل شديدة البياض المشبع بحمرة أقرب إلى حمرة خجل عذراء ذات حياء تفوح منها رائحة الزهور التي كانت ليلة أمس موجودة في هذا المكان ، لم يفزعها المنظر او يثير دهشتها ربما لأنها ايقنت ساعتها أن فتاة القرنفل ليست إلا هدية لها على طول وحدتها كي تصبح ونيسة ايامها المتبقية ، حملتها بحرص شديد فهذه هي المرة الأولى التي تشعر فيها بمشاعر الأمومة ، حملتها وسط عيدان خضراء نضرة كانت كفراش وثير يفصلها عن الطاولة التي اعتلتها المزهرية لسنوات .. لم تتردد نغم في اطلاق اسم قرنفلة على ابنتها فقد كانت بالفعل زهرة قرنفل تحولت الى هذه الفتاة برائحتها الذكية .
استغرب أهل المدينة الوضع في البداية لكنهم سرعان ما اعتادوا على وجود قرنفلة بجوارهم تبث رائحتها العطرة في كل المكان كما كانت تفعلها المزهرية